يقف احياء اليوم العربي للسكان والتنمية هذا العام على بعد خمس سنوات فقط من العام 2030، كموعد عالمي معلن للوصول الى أهداف اجندة التنمية المستدامة بمساعيها الحثيثة لضمان "الا يترك أحد خلف الركب"، وما ينضوي تحت هذا الوعد من توجه جاد نحو احداث تحول عميق في العالم من خلال تبني مفهوم التنمية المستدامة الشاملة والعادلة للجميع بدون أي تفرقة أو تمييز وتمكينهم ليصبحوا شركاء وليس فقط مستفيدين في هذا المسعى، فبناء مستقبل مستدام هو مسؤولية مشتركة بين جميع القطاعات في جميع أنحاء المعمورة بدأً من صانعي السياسات ومروراً بقطاع الاعمال والمجتمع المدني وانتهاءا بالمواطنين.
فأجندة التنمية المستدامة 2030 ومن قبلها برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية 1994، والمستند في اطار عمله على مبدأ "الانسان هو جوهر وقلب التنمية التي تتوجه للانسان وتسعي لتحقيق جودة حياته عبر مقاربات حقوقية تحترم حقوق الانسان الفردية"؛ ليسا مجرد التزاماً سياسياً او اخلاقياً بل هي خيارات منطقية اقتصادية مصاحبة للجهود المبذولة لتحقيق السلام الدائم والازدهار المشترك والتقدم المستدام من أجل الناس والكوكب.
لكن كل هذه الرؤي العالمية ومكتسباتها التي تتوجه للانسان وتسعى لتحقيق جودة حياته ورفاهه وتعزيز الامن والسلم العالمي تبقي الآن رهينة تصاعد التوترات الجيوسياسية العالمية والصراعات والنزاعات المسلحة وممارسات الاحتلال الوحشية بالأراضي العربية المحتلة للمشهد العالمي الراهن، ما يدق ناقوس الخطر ويرسم صورة قاتمة لهذه الخمسية الاخيرة والتي قد تتجه لمزيد من التصعيد وربما نشوب حروب واسعة النطاق تجعل من الصعب على الدول الانخراط في جهود التنمية بل وتدفع المزيد منها لسحب موارد العمل الانمائي وتوجيهها الى النفقات الأمنية والعسكرية ما يؤدي بالنهاية الى فتور الالتزام السياسي باستحقاقات هذه الرؤي العالمية.
فالآن حان الوقت لان نقف جميعا ونتكاتف عالمياً للحفاظ على الجهود والمكتسبات المتحققة على الارض ونحميها من الضياع بالاستثمار في السلام وحماية الارواح ووقف نزيف الدم البشري، فكيف للمجتمعات ان تبني مستقبلا مزدهرا وهي تفقد شبابها الواعد واطبائها ومهندسيها؟ وكيف لعجلة الاقتصاد ان تدور ومؤسساتها مدمرة وقواها العاملة مشتتة؟ فرأس المال البشري هو الوقود الحقيقي لاي تنمية، وهو حجر الاساس الذي لا غنى عنه لديمومتها، واستنزافه يدفع بالمجتمعات عقودا الى الوراء.
فالتنمية والامن والاستقرار تشكل كلها حلقات متكاملة فلا تنمية دون استقرار حقيقي، ولا استقرار حقيقي دون الاستثمار في السلام وحماية روح الانسان، فالنمو المنشود اداته الانسان وغايته الانسان ولا يتحقق سوى بالاستثمار في الانسان تعليما وصحة وغذاء وكساء وثقافة ووعياً.